الاثنين، 22 أكتوبر 2012

علاقات خاصة

"وآخر ما أفعله قبل أن أُسْلِم الروح، نَفَسٌ أخير من سيجارتي..بعد الشهادة مباشرة"

كان هذا أبي..
وعن جدي، كان آخر فعله في الحياة أن أطفأ سيجارته بعد أن لسعت إصبعه وكتم آخر نفس بصدره .. تشهّد ثم زفره،ومات.
الأمر هنا لا يتعلق بالرب
أذكره يحكي _حينما كان يحكي_ لي عن سيجارته الأولى ، وكيف أنه بذل في سبيلها أسبوعين من الكحّة ، فكما يحكي كان يسكن مع محرقة سجائر..عشر شباب مدخنين وهو الأحد عشر ، وحينما التقمها _وكانت بكرًا_ أزالت عنه كل تكلّفٍ ورَهَق..وجد الراحة معها، كما لم يجدها روميو ولا كثيّر..قال أن المتعة لا في كثرة الذكر بل في الإشباع.

وعلى عكس كل عاشق متصوّف كانا _أبي وجدي_ مُغرِقان في عشق ذات الفانية، قالها جدّي: "السجائر أوفى كثيرًا من امرأة _تحرقك وتحرق أموالك كي تتألق هي، السجائر تحرق أموالك وتحترق هي لأجل متعتك"
أما أبي فيقول مبررًا عزوفه عن السجائر الباهظة: "العُلبة الـسوبر أقرب لامرأة ريفية، تأكل السمن السائح بالسكر كتحلية وخداها متوردين على الدوام، تصدُّ عنْك البرد بأنفاسها الدافئة، أما العُلب الـشيك..تستهلك طاقتها في مظهرها وأنفاسها سريعة الخبْو وباردة"
الغريب فيهما أن الجدّ ما بارح مُصحفه وما اكتفى من سبّ حفيده _وابن عمي_  كلما شمَّ رائحة السجائر حوله ، وأبي..لم يختلف كثيرًا يصلّي في المسجد _حتى أنني أفتقد ضمّة يديه في الصلاة_ ولا يكفّ عن سبّ دين أخي إذا ما ضبطه يلوك قطعة لبان بالنعناع، ثم إذا انتهى زاده من "السوبر" طلب منه المعونة!.

أطراف الأصابع المحترقة..الأظافر الغليظة ..الشفاه الغامقة..اللثة الزرقاء .. الرئات السوداء _والتي أراها بالفعل_ وترنحاتٍ في تعداد ضربات القلب _محبب كثيرًا لأذني_ وإغراء الرائحة المختلطة بالتبغ، أشياء ربطتني بهما .. فلسفتهما في ربط عشقهما لها بكل شيء ، في تحرير مخرجٍ لمآزقهم المتكررة معي محاولةً "خطف" سيجارة من العُلب الكثيرة جدًا ، وحتى في سياسة المنع والمنح التي اتباعاها، تساؤلاتي الساذجة عن "هل لأن آخر مافعله جدّي _وما فعله طوال حياته_ كان نَفَس سيجارته مات بعمر ينتقص سنتين فقط من المائة؟ و .. هل سيعمّر أبي هكذا؟ هل يعتقد أنه سيعمّر مثل أبيه لأنه شَرِه وشَبِقٌ مثله؟ .. و هل ورثت حبها منهما؟"

هل كانت تساؤلات وجودية مشروعة حقًا؟؟
أم أن السجائر _وحديثها_ حرام؟؟
كان جدي يقول: "لا تدخلي الأبواب المفتوحة .. حرام، أنيليني عُلبتي والكبريت، السجائر لا تتقدّ ولا تهَب سرّها سوى للكبريت"، وكنت أبكي ، لِمَ لا يريدني جدّي جواره كما يفعل أبي؟ كنت صغيرة تحبّ أباها وجدّها، وكانت أمي تخبرني أن: "لابد وأنكِ كنتِ صبيًا والملائكة أخطأت ونسيت ووضعت لكِ شعرًا ، لاتدخلي الأبواب المفتوحة، لاتتشممي سجائر جدّك"
أخبركم سرًا؟ أكثر ما كان يجذبني لأحضان أبي أنه كان يدخّن بجواري ولايهتم بتحذيرات أمي عن رئتيَّ الطفلتين!
وعن قبلات السجائر أحدثكما أكثر، كنت طفلة خجلة..لا أذكر أنني سمحت لأبي وجدي بتقبيلي، لذا كنت أعشق النظر إليهما يدخنّان ويضمان شفتيهما عند الزفير، ويهبانني قبلة داخنة رائعة.
وعن لسعة النفسِ الأول في الصدر، تنفُّسها عميقًا، كثيرًا ما قال جدي أنه ما عشق مثل حواء، وماخانها إلا لأجل لسعة صدره من سيجارته، وعن أبي الذي ما عشق مثل حواء أيضًا ما خانها إلا لأجل اللسعة الأخيرة في الشفاه،
ربما ما عشقاها إلا لأن كل أمرها احتراق وإحراق ، ماجنة تحرق القلب والأصابع والشفاه.
العنوان من اقتراح الجميلة "لبنى أحمد".

هناك 10 تعليقات:

Ahmad El Genedy يقول...

يعني ايه كاتونيا ؟؟ :D

Ahmad El Genedy يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
طارق هلال يقول...

أكره السجائر و المدخنين
كل المبررات مزورة وكل الطقوس مزيفة وكل الأحوال منتحلة.

ربما أنا متطرف،

النص جميل الوصف.

تحياتي.

Hanan Elshafey يقول...

أحمد الجندي
...........
كاتونيا هي حالة من الاغتراب الكامل تصيب مريض الفصام
......................


طارق هلال
.......
ليه حاسة بالتحامل؟!
وكأن هناك ثأر ما :)
عمومًا النص بعيد كل العد عن حب السجائر والمدخنين والرب

كويس ان عجبك حاجة :))

نورتني :)

طارق هلال يقول...


يعني هو فيه تحامل ، وأكيد هناك شيء ما أجهله، فأنا لم أجرب التدخين أصلا، لكن تعرفي مثلا اللي بياكل مهلبية ويلحس قعر الطبق بصوابعه وهو حاسس بمتعة، واللي بيقرض ضوافره بسنانه، أنا شايف السجاير نفس الموضوع، المود اللي الناس بيصوروه لنفسهم وهم بيدخنوا مش حقيقي.

أنا لا أنتقد نصك، ولكن متحامل على المدخنين بالفعل.

richardCatheart يقول...

:)جميلة اووووووووووووووووووووووووووى

انا بحب السجاير جدااااااااااااااااا علشان كدا وصفك ليها وللعلاقة الخاصة والعنوان فى الجون لانه حقيقى اوى

شاب فقرى يقول...

مبروك فوز القصة فى المسابقة :)

بالتوفيق الدائم

لأني مدخن ولأني عاشق للسجائر فأعتبر هذا من أروع ما قرأت فى أدب المدخنين وعاشقي التدخين أمثالي :)

تحياتي و بالتوفيق الدائم

:)

شاب فقري

الازهرى يقول...

ألف مليون مليار مبروك

ويا رب عقبال جايزة الدولة التقديرية
ومن بعدها نوبل الأدب بإن الله


bent ali يقول...

جميلة قوى

تاكاشى يقول...

بقدر اختلاف رؤيتها بقدر عمق مقصدها
جميله جدا .. أسلوب فوق الرائع :)