الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

شعوذة


مرآة عريضة بطول الحائط .. وقَفَت أمامها عارية تماماً ، حيث خلت الحجرة إلا من المرآة والمدفأة ._رغم أن الجو حار بالفعل_ وموقد وكرسي مستدير يحمل شفرة ومقصاً ، وخزانة ملابس عجيبة ، وقفت أمام المرآة مباشرة .. تتحسس قوامها شديد النحول وتراقب في تعجب قطرات العرق التي لا تتناسب أبداً _في نظرها _ مع البرد الشديد الذي يجتاحها من كل جانب ،
قذفت بالمنشفة العريضة من علي شعرها المبلل _الممنطق لحمام ساخن جداً انتزعت نفسها منه عنوة_اقتربت أكثر من المرآة ...تطالع بشرتها المحترقة من أثر المياة الحارة ، غريزياً .. انتقلت عيناها لباب الغرفة المغلق بعدة متاريس كبيرة الحجم ، وانتقلت منه إلي شباك الغرفة المسدود بالحجارة ،
سرت بجسدها رعدة خوف ، واضطربت كفرخ تائه يحلم بالأمان ، نثرت شعرها الطويل الفاحم علي كتفيها .. سارعت لالتقاط المقص والشفرة ،
حلقت شارباً لا وجود له حتي أدمت شفتيها ، ثم جاء دور المقص .. انتزعت من خزانة ملابسها العجيبة قطعة ما ، وأعملت فيها ذاك المقص حتي اهترأت بعثرت قطع القماش في الغرفة .. واختارت منها واحدة معينة جداً ... جمعت شعرها الكثيف وحاصرته بها ، ثم شرعت في ارتداء ملابسها .. مررت عينيها بين محتويات الخزانة العجيبة ، أعادت علي نفسها التذكير بأنه عليها أن تشتري ملابساً أخري .. فتلك المحتواة في خزانتها .. صارت أوسع!
هي .. لم تفقد شيئاً من وزنها منذ فترة طويلة ، لذا كانت ملحوظة عجيبة !
اقتربت من المرآة أكثر .. بذلت مجهوداً خارقاً في تعبئة جسدها النحيل في الملابس بالغة الشعوذة ضيقاً !
شدت أزرارها جيداً ، أحكمت كل الأربطة ، كادت أن تختنق .. لم تزل حتي تتنفس بإستحالة!
أخرجت من خزانتها مذياعاً عتيقاً.. أدارته .. فانطلقت سيمفونية حالمة ... حركت احدي قدميها في شبه حركة .. انكفأت بقوة .. ضحكت ملئ وحدتها حتي تشققت جدران الحائط .. تجاهلت الزلزال وحلقت مع موسيقاها وأنفاسها المكتومة.

السبت، 9 أكتوبر 2010

بذور الطماطم


كنا نجلس سوياً أنا وهي .. في مقهانا الذي أصبح معتاداً في نفس المكان _كذلك_

تحكي لي عن فسيفساء انفعالات

حبيبها العائد بقوة ، قاصدة أن تجبرني علي أن أعيش نفس إحساسها بالقلق أ

الطمأنينة

أو حتي الهيام ،عندما

صرخت بها فجأة :"عايزة أشتري بذور طماطم" ، ليكون ردها اللاإرادي الواعي والمدرك

: " آه .. وتبيعيها في السوق

السودا"

تعالت ضحكاتنا الغافلة..ولكنها لم تكن منأي عن فهم ما أعنيه حقاً ،

زاد عمري عن الثانية والعشرون .. وطوال حياتي لم أسمح لنفسي بأن أنطق حرفاً يتعلق بالسياسة أو الحكومة أو أوضاع البلاد .. أو حتي مصروف البيت الشهري .. ، نعم عشات غافلة عن كل هذا .. ولكنها ليست تلك الغفلة التي تعزلني عن محيطي المجبرة عليه ، فكما صرحت مراراً أن حلمي أن أسافر خارج البلاد لأحيا حياة كريمة .. "بلي .. سأنكس الراية ".. وسأرحل .. هكذا أجيبها عندما تستنكر خطيئتي .. "تعبت انتظاراً لوطن غيري " .. هكذا أبرر خطيئتي كل مرة ،

"عايزة أشتري بذور طماطم " لا زالت جملتي أنا تتردد داخلي من وقتها ،

تحولت الطماطم في بلادي من شئ نعامله معاملة صنف من أصناف كثيرة تتضمنها السلطة .. إلي حلم .. كحلم الوطن .. غالٍ .. للغاية ،
ذات مرة سألني حبيبي لماذا أحلم بالسف دوماً .. مع أنه تعرف علي الوطن؟؟ أجبته ..:" الوطن في بلادي يا حبيبي .. للأغنياء " لم يعلق ولم أحاول حتي فهم إجابتي الفانتازية المعقدة ، اليوم عندما أتذكره .. أود أن أهاتفه لأخبره أن الطماطم في بلادي .. صارت للأغنياء !

أعترف أنني تغيرت كثيراً .. صرت حالمة أكثر .. زادت درجة عنادي أكثر وأكثر .. لن أسافر .. ولن أنكس الراية .. وسأجد حلاً لأعيش في تلك البلاد بوطن وقلب عامر بالأمان .. حتي لو اضطررت لزرع بذور الوطن .

الاثنين، 4 أكتوبر 2010

رفيقتي..


كلتانا يجمعنا المكان ... وكلتانا يجمعنا وجود الرفيق ..، لكنها.. كم أحسدها ، أتأمل ضمته لها في حنان، يتقافز من رعشة جفنيها الموشكان علي الانغلاق .. ليعلنا في صخب وديع أمانها التام ... راحة رأسها بين كتفه وعنقه _وكأنه وسادة الأحلام المنسية_ ، أنفاسها الهادئة .. أهدابها المسبلة ،
يديها العابثة تارة بشعر رفيقها أو بقميصه تارة.. أو ربتتها الحالمة علي كتفه من آن لآخر ..
الأمان .. كلمة السر .. ذلك ما ذكرني برفيقي .. لا أوجه الشبه العديدة بيننا ، الأمان .. يتنسم عبيره كل من يفتقده حقاً .. كل من رآه ولو لمرة طيفاً راحلاً .. وأنا .. ذات حياة .. كنت أرفل في ثياب الأمان المقدسة ..
وكل هذا يذكرني برفيقي .. ورفيقها أيضاً .. كم أحسدها عليه .. رفيقي يصطنع الاهتمام .. التواجد .. المشاركة .. رفيقي .. رسمة رديئة لملامح المشاعر المصطنعة ، ماذا يربطني به ؟؟ ربما لأن علاقتي به من هذا النوع من العلاقات التي _لا يقطعها الا الموت_ ولكن .. كيف لإنسان حر مخير ألا يكون له الحق في اختيار رفيقه ..؟
هكذا كان يومي .. يوم قابلتها .. هكذا هي حياتي منذ اربع سنوات .. أرافقه بلا ادني رغبة مني في ذلك ، أبحث عن الأمان المحفور بئره بين يديه لي ولا أجده .. بل إنه يستجدي أماني ويلتهمه وسنبقي هكذا إلي أن يقتل أحدنا الملل، .. وهي .. في منتهي السعادة ، حاولت أن أحادثها .. أقتطع عليهما وصلة الأمان الحارة .. ولكن قلبي لم يهاودني .. ارتميت إلي جانب رفيقي مستسلمة لحالي.. أتأملهما معاً .. وهو يكاد يغط في النوم ، ضمته لها .. يرفعها قليلاً عن الأرض _طالما تمنيت مثل تلك الضمة_ .. ضغطته الخفيفة يقربها منه .. أنفاسه تدغدغ عنقها في رقة .. آه .. من آن لآخر يهمس لها بكلمة من بضعة حروف .. تتبسم رغم ألم تنبأت لغوره في روحها فجأة ..
تري .. رفيقها كرفيقي لوحة سيئة الصنع ولكنه متقن توزيع الألوان ..؟
أم تراها تتألم مثلي .. من أجل كل شئ وبلا أدني شئ ..؟
تلفت حولي ..رفيقي علا صوت نشازه المنفر .. ألمها يزداد .. رفيقها زاد توتره .. علا صوته يطلب الطبيب والممرضات ..
وأنا .. أنا سَرِحةٌ في قدميها .. نعم .. قدميها .. تلك اللتان لم تطولا الأرض بعد .