الأحد، 9 يناير 2011

تفاصيل الوطن


كل مرة اختلينا سوياً .. كان يستبقي ابتسامة حالمة علي كل ملمحٍ من ملامح وجوده الطاغي ، وكل مرة تعصف بي تلك البسمة البسيطة ، لم أعتدها أبداً ولم تفقد تأثيرها حتي بعد أن افترقنا ..

في رأس السنة الجديدة كان كل منّا بمكان بعيد جداً عن الآخر .. ورغم المسافات كنت أعلم جيداً تقاسيم اللحظات المترقبة القلقة لبداية العام الجديد ..

في العام الماضي كنّا لانزال معاً .. أعلم جيداً كيف تلقي خبر اعتداء مجهولين _معلومين_علي المصلين الأبرياء خارج الكنيسة بأقصي صعيد مصر ، انطلق يكتب ويغضب ويحزن من كل قلبه ، وبرغم أنه لم يبح بكلمة واحدة إلا أنني أملك مفاتح خريطته نفسه ،

هذا العام كنت أترقب مثله .. أبتهل مثله .. ألا يقتل التطرف والارهاب فرحة الأبرياء بالعيد .. تلقيت مثله تهاني العيد والعام الجديد بقلب قلق وبعبارات غير مفهومة .. أقصي ما كانت تحمله رد التهنئة بعبارات فارغة ،

دق الساعات بكر دقاتها للعام الجديد ... ودق معها قلبينا فزعاً وحزناً وذعراً لمرأي الحادث الشنيع .. وفي هذا العام .ز كان قريبا جدا منّا .. مني أنا علي الأخص .. وبرغم المسافات أحييت ذكري العام الماضي وما تخلله من قضايا طالما ناقشناها واختلفنا حولها

خالد سعيد .. شريط فيروز الجديد..صفقات الغاز .. المحافظ الجديد ..البرادعي والتغيير والمحاكاة السقيمة لأمل عميل .. الانتخابات المزورة .. التوريث .. ارتفاع أسعار السلع الجنوني ..حفلات موسيقي الجاز ..البطالة .. حصار غزة مرارا وتكرارا..معرض الكتاب .. واخيرا .. الحادث المشؤوم

ولكن هذا العام لن نتناقش كثيراً حوله .. لن نتناقش حول أيّ من أمانينا للغد القريب أو البعيد .. لن نعترض معاً علي موقف الحكومة المتساهل مع الخارجين .. لن نفكر معاً في ايجاد حل لمشكلة رغيف الخبز الضروري لمجرد العيش ،

في الحقيقة .. لازلنا نفكر معاً رغم كل شئ .. ربما لاتحاد مقصدنا كما الكثيرين .. وربما لاننا اتحدنا وتوحدنا زماناً فصار اصعب شئ .. ان ننفصل واقعاً

كثيرة هي التفاصي التي تجمع وطن .. وكيرة التفاصيل التي تجمعنا .. وكثير هو خوفي من كثرة التفاصيل التي تفصل بيننا

.

لكل مصري قلب .. ولكن ربما تكون الخدعة أن مصر بلا قلب


السبت، 1 يناير 2011

شرارات الغضب

لاأدري حقاً من أين أبدأ حديثي .. فبعدما اعتزلت التدوين _والكتابة_ إلي غير رجعة ، وجدت نفسي أمام اختيارين لا ثالث لهما ، إما أن أكتم شهادتي ورأيي وكلمتي عملاً بقرارٍ سخيف ، وإما أن أعود حتي لو كانت عودتي _فقط_ لأكتب ذلك المقال.

للمرة الأولي أكتب مثل هذا المقال _لاقصة ولاشعراً ولاخاطرة _ فالحدث لا يحتمل تورية ولا ينتظر القارئ في مثل تلك النازلة امتاعاً ، انها فقط شهادة حق .. ورأي ، سأكتب فيها كل ما رأت عيني وكل ما سمعت أذناي وكل ما يدور بقلبي وعقلي معاً ،

* قال تعالي :" وَلَاتَقْتُلُوْا النَّفْسَ التَّي حَرَّمَ الله إِلَّا بالحَقِّ وَمَن قُتل مَظلُوماً فَقَد جَعَلْنَا لِوَلِّيه سُلْطَاناً فلا يُسْرِف في القَتْل إِنَّه كان مَنْصُورَاً "
الإسراء آيه (34)

النفس البشرية التي حرَّم الله عزوجل قتلها في الإسلام "المسلم ... الذمي ... المعاهد ... المستأمن " ، ومن كانوا في دار عبادتهم آمنين حتي ولو لم يكونوا مسلمين فهم من النفس التي حرم الله قتلها .. فأياً كان قاتلهم .. فقد خالف تعاليم الدين إن كان مسلماً ، وإن لم يكن فمهما كان دينه فما أنزل الله الرحيم من دين يقضي بقتل الأبرياء ،
ومن قتل مظلوماً فقد أحل الله لوليه سلطاناً جعله محكوماً ومشروطاً بعدم الإسراف ،
أما أن تقتل بريئاً ويوم عيده !!! فتمطر السماء دماً .. وتنضح الأرض دماً .. وتنزف قلوب الجميع دماً ، أن تكون الباعث علي احتقان عميق وانفجار _من نوعٍ آخر_ مريع ، أن تذبح ابتسامة انسان .. أن تزرع لا ورداً ولا شوكاً .. بل دماً وحقداً وقلوباً سوداء ، فماذا تجنيه؟؟ وماذا يمكن أن يكون هدفك ؟؟؟

لماذا يوم العيد ؟؟؟ لماذا تلك الكنيسة بالذات ؟؟؟ تلك التي طالما اشتهرت بمواجهتها لمسجدٍ عريقٍ ،وتكاتف مسلميه ومسيحييه معاً في كل عيد ؟؟ بلي .. لا زلت أذكر تهاني عيد الأضحي تعلو حوائط الكنيسة فذلك المهندس فلان وذاك الطبيب فلان !!،
ولماذا البشاعة في التنفيذ؟؟ ولكن .. هل لإرهابي قلب رحيم ؟؟ فيالسذاجة تساؤلي ، تقول الأنباء أن المفجر شخص انتحاري .. ويقول العيان أن التفجير كان بسيارة مفخخة ، تلك المرة الأولي التي يتطور فيها الوضع حتي هذا الحد .. لم تعد قنبلة بدائية اذاً ، وهذا أيضاً يدعو للتساؤل .. من المنفذ حقاً ؟؟؟
ولماذا لم تؤمن المنطقة عملاً بالتهديد المسبق بتدمير الكنيسة والذي أقره السيد المحافظ ؟؟
هل كل ما يكفي ثلاثة أو أربعة من أفراد الأمن ؟؟؟
أين تلك الكلاب المدربة علي اكتشاف المتفجرات والقنابل ؟؟؟ أي خبراء المفرقعات ؟؟
لماذا إذاً حضرت سيارات الإطفاء والإسعاف والشرطة والأمن من كل حدب وصوب محملة ومؤمنة وعديدة ؟؟ لماذا فقط بعد الحادث ؟؟؟
أما كان لهم أن يبكروا ولو قليلاً؟؟
فقط ثلث ساعة أقرب ..؟ هل كان ذلك صعباً ؟؟؟

وماذا بعد الحادث ؟؟؟
غضب أليم وعميق ، اندفاع مبرر ولكنه غير محكوم ولا عقلاني من المسيحين أنفسهم ، وإن استطعت لومهم فإنك ستصمت فوراً لتقول بحرقة شديدة وألمٍ عميق "ربنا يصبرهم .. لو كان ده حصل عندنا .. أكيد كنا عملنا أكتر " ، وبرغم ما في الكلمة من تجردٍ إلا من "تطييب الخاطر" فلا موقف حقيقي ، إلا أنه صادقٌ حقاً، يدفعك لأن تؤمن أن هناك لا زال أمل مبهر يختبئ تحت الرماد ..ليصحو برعمه وينمي أواصر المحبة والود من جديد ..

نحن شعب نعرف كيف نسامح .. ولكن إلي متي ؟؟؟
حتي متي سيبقي بالقلب مكان للمزيد من الوجع ومكان لتقييد الغضب ؟؟ ماذا يعرف المسيحيين عن من فجر كنيستهم يوم عيدهم وقتل أبناءهم غير أنه مسلم ..؟؟ وقد هددهم جهاراً ؟؟؟ كيف يفرق المسيحي بين مسلم هدده ومسلم يمشي بجواره في نفس طريقه ولا يعلم ما بداخله ؟؟؟
هنا علينا أن نري جيداً الأمور من حولنا .. ،
وفي تلك النقطة تحديداً سأتحدث عن تجربتي الشخصية .. فاليوم كنت بالخارج في وسط الشوارع المحتقنة ذاتها التي حذرتني أمي من الإقتراب منها ، لملمت وجعي وألمي لما حدث وقررت أن أقوم بالتصرف الوحيد الذي وجدته مناسباً .. المصابين لازالوا في مراحل الخطر ويحتاجون لنقل الدم ، اذن .. سأتبرع بدمي .. وماذا أملك غيره ..؟
وإن بخلت بما أملك ..فسيموت المزيد، وساعتها سيتوجب عليّ أن أعايش ألماً جديداً واتهاماً شنيعاً بأنني لا أخيّر عن من فعل تلك الخطيئة ، هل أتركهم يموتون كما قتلهم ذاك الخاطئ؟
وماذا تكون بضع قطرات أو رحلة قصيرة حتي المشفي ؟؟
حذرتني أمي وهمها الأوحد صحتي وليس خوفاً مما حدث بعد ذلك ولم يخيل حتي إليها ، رحلتي كانت مسبوقة بدعوات من الله ألا تقف تلك الصحة العليلة مؤخراً عائقاً أمام تلك النجدة البسيطة ، وأذهب للمشفي .. وأقابل بشجار أتحاشاه قدر ما أستطيع .. وينالني رغم كل شئ ، وأفاجأ باتهامات بالشماتة والإرهاب والظلم .. فقط لأني مسلمة ، ولم أغضب .. فمن اتخذني خصماً ماهو إلا مجروح غاضب .. والجريح لا يهتدي .. والغاضب أعمي ولو كان بصيراً ، وينقذني من الإهانة مسيحي مثله ، وينصحني أن ألزم بيتي احتماءاً من الغضب أو أن أحتمي برجل ، ولا أغضب .. أواسيه وأعزيه .. وأخبره أن يحاول أن يهدئ من روع أخيه ويخبره أن هناك حدوداً للغضب ..

كذلك علمت أن المصلين في المسجد المقابل للكنيسة تم الإعتداء عليهم من قبل مسيحيين ..!
للغضب حدود ، وللحزن حدود ، ولا تنسوا أننا اخوان .. أبناء بلاد واحدة .. وطن واحد .. انسانية واحدة ، تصبروا واصبروا واحتسبوا وليرحمنا الله ،

أمقت الشجب والاستنكار والكلمات الفارغة ، وأمقت " التصبير الفارغ أيضاً " ، ولكن ما بيدي إلا الكلمات ، ما أملك إلا قلب حزين بحق ،

قتلتني مشاهد الاحتكاكات المكتومة المحتقنة بين المسيحين والمسلمين في الشارع ، بعيداً عن أعين قوات الأمن الرابضة في مكان الحادث ليس إلا ،

قتلتني نظرات حزن مكتوم في عيني صبية صغيرة لا تدري لمَ لا تحتفل بلعيد وقد انتظرته طويلاً .. انتظرته عام كامل ..

قتلني مسارعة كل مسلم للتأكيد علي أنه مستنكر ومنكر لما حدث ، مع خزي داخلي ينتابه بأن من فعل ذلك يدعو نفسه مسلم .. ينتسب ولو اسماً للإسلام ..

قتلني أن من فعلها يتبع خطة قذرة مقتضاها "فرّق تسد " ولا يوجد حتي الآن من يتصدي حقاً وحقيقة لا شجباً واعتذاراً ومواساة فارغة من أي ازهاق للباطل ،

قتلتني امرأة مسنة تستنكر عليّّ دعوتي إياها وكل من معي في الدورة التدريبية للتبرع، كمحاولة وحيدة للمواساة الصادقة وللنجدة الواجبة ، وحجتها الوحيدة " دول مسيحيين" .

قتلني من أهانني وظن بي السوء وأنا علي أعتاب مساعدته هو ،وحجته الوحيدة " ده انتي مسلمة" .

قتلني عدم تقبل أمنيات صديقتي بعام سعيد برد مماثل لخوف دفين أن تتكرر أحداث العام الماضي مرة أخري .. وقتلني أكثر .. حدوثها .

إلي كل مسيحي أقول هذا .. اصبروا واصبروا واصبروا ..لاتدعو الغضب يعمي أعينكم عن الفاعل الحقيقي .. لا تدعوهم يصلون إلي ما يصبون إليه .. فإن اتخذوا ثغرة .. أحرقوهم فيها.

إلي كل مسلم في كل مكان أقول .. لا تعموا أعينكم عما حولكم .. ستسألون يوم الحساب كلٍّ عن شهادته وموقفه ، هونوا عنهم .. كونوا جانبهم واحتووهم حتي يرحمنا الله .

إلي هؤلاء الذين يدعون اتباعهم بمنهج السلف ويدعون لقتل الأبرياء ادعاءاً أنه جهاد في سبيل الله .. الاسلام منكم براء .. السلف الصالح منكم براء .. والله منكم براء .. "لاتقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق".

إلي كل إرهابي عقيم خاطئ كافر ... سيأتي يوم ترد إليك فعلتك .. إن الله يمهل ولا يهمل .

أرجوكم .. افهموا الدين وافهموا ما حولكم .. وليرجع كل إلي الله ويسأله الرحمة .