الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

"أعنون غاريفا"


"كرهته فور ذقته...كيف يكون الخبز مرّاً؟!"

أخبرني أنه جائني به من الصعيد رأسًا..وأن زوجته حضّرته خصيصًا من أجلي .. وكان عليه أن يفي بوعده الذي يحوي هدية حُلوة، كدت أن أسأله ساخرًا :" هي فين الحلاوة دي يا عم الحاج؟؟!" ولكنني فضلت الصمت وشكرته بحرارة مؤكدًا أن  ابنتي ستحبه كثيرًا ، كونها تعشق كل ما يرتبط بالتراث المصري..وكونها لم تعد لديها أمّ تعد لها  أي شئ،

"مرّ أكثر من شهر ولم يفسد..كيف يكون الخبز مرّاً يا أبي؟؟ويحيا شهرًا دون شكوى؟؟"

سألتني الفتاة في وَلَه وهي تقرض شقّة خبز ، ثم أكملت قبل أن أجيبها ..أنه لابد أن السرّ في الحبة الذهبية"الحلبة"، لم أعرف قبلًا أنها تدخل في صنع تلك الشقائق العجيبة_هكذا فكرت_وأكمَلَتْ هي أن هذا هو سر المرارة في طعمه .. وأنها تعشقه لأجل هذا،أعرف أن خسارة والدتها في تلك السن أمر صعب..يجاوره حقيقة أننا نحيا في صحراء وحدنا يزيد الأمر مرارًا..لم كتب على المرار أن يكون عمره أطول؟! أتعجب حقًا..من ذا يحفل بالمرار حتى يضيفه لخبزه؟؟!!

"جائني بشحنة أخرى وطلب على استحياء أن أبيعها له بأي مقابل.."

حينما أخبرت ابنتي حكت لي *حكاية "عبدالناصر"و"الخبز البتّاو" و"المنديل المحلاوي" ،فهم "عبد الناصر" الرسالة.. ولم أفهم منها أو منه أي شئ ، وبعت الخبز البتّاو بسعر رائع أدهشه هو وأدهشني أكثر هذا الاقبال على خبزٍ مرّ.

"قالت  البنت وهي تتوهج:*"أعنون غاريفا"

وانطلقت تتحدث عن المكون السريّ للبتّاوالصعيدي"الحلبة"، أخبرتني في هيام أنها سألت عزيزها "google" الذي أخبرها كل شئ..أخبرها أيضًا أنهم كانوا يخبزونه قديمًا ليحمي صحتهم ويسع ما في جيوبهم الخالية تقريبًا، قالت أن الفراعنة خبزوه بالقمح والذرة والحلبة والحب..وأنهم يتهادون به الآن تحببًا ..ويصنعونه مرّا حتى تقوى أنفسهم على ابتلاع مرارة الحياة، كنت أعلم أنها تفتقد أمها كثيرًا..وأعلم أنني أنتظر مساحة ما بفراغ صبر،

"*حمايت"

طلبتُ إليه أن يصنع لي ضعف الكمية التي أتاني بها كل شهر..وصرت أشتريها منه .. واعتدت تناوله أنا والصغيرة لنحمي صحتنا ونتدرب على ابتلاع المرار خبزًا حتى تقوى مناعتنا ضد مرار الحياة، وأصبح يحكيني كل يوم كيف أن خبز أجداده الفراعنة "يحميه" ويعالج ابنته ويدفع مصروفات مدرسة ابنه ويشتري لزوجته قلبًا جديدًا ويزرع أرضًا ما بكبدٍ طهور..لا يحمل أي حروف أجنبية .
_________________________________________
*أعنون غاريفا .. حمايت . . أسماء للحبة الذهبية"الحلبة"
*قصة عبد الناصر والبتّاو:في إحدى المرات وعبدالناصر ذاهب الى أسوان في القطار .. توقف القطار في أحد المحطات .. وفجأة ألقى من شباك القطار على عبد الناصر ( بؤجة أو صرة ) عبارة عن منديل محلاوي مربوط سقطت بين أرجل الموجودين بما فيهم جمال عبد الناصر .. وكانت مفاجأة للحراسة طبعا وللموجودين .. فإلتقطها ضباط الحراسة بحذر شديد جدا وفتحوها .. وكانت المفاجأة أن بها رغيف خبز من عيش البتاو وبصلة فقط ..
ولم يفطن أحد من الموجودين معنى هذا أو مغزاة إلا جمال عبد الناصر الصعيدي الأصيل الذي لمح الرسالة من هذا الرجل البسيط الذي ألقاها ..
فأخرج عبد الناصر رأسه من النافذة بسرعة محاولا أن يرى الرجل الذي عدى مهرولا لبعيد وقال له " الرسالة وصلت يا بويا .. الرسالة وصلت .. "في مساء هذا اليوم وفي أسوان وأثناء إلقاءة الخطاب الجماهيري قال
" يا عم جابر .. أحب أقول لك إن الرسالة وصلت وأننا قررنا زيادة أجر عامل التراحيل إلى 25 قرشا في اليوم بدلا من 12 قرشا فقط ، كما تقرر تطبيق نظام التأمين الاجتماعي والصحي على عمال التراحيل لأول مرة في مصر "لقد فهم جمال عبد الناصر الرسالة وكسر شفرتها .. فعمال التراحيل يتخذون رمزا لهم وهو المنديل المحلاوي .. وكذلك العيش البتاو الذي كان يصنع في صعيد مصر عبارة عن دقيق ذرة مع مسحوق الحلبة .. وهذا كان غذاءهم .

*كتبت التدوينة في ارتجالة مدبرة مع الجميلة أسماء علي ، تجدونها هنا

هناك تعليق واحد:

rona ali يقول...

القراءه هنا افضل بكثير جدا من هناك

عجبنى المغزى اوى بيجد بتعجبنى طريقه عرضك للموضوع بالشكل دة

وعجبنى فكرة مزجك لحلبه مع مراره حياتنا وكمان رؤيتك لبنت دى وتخيلها للموضوع بالشكل دة كل شئ في وراه حاجه ومعنى حلو اوى ^_^

غيرتى اسم مدونتك للمرة الكام بقي لخبطينى اة والله

بس المهم انى فهمت سبب الاسم العجيب دة اللى مش عارفه انطقه اساسا ^_^

سلمت اناملك ممتعه بيجد :)